فصل: من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ:
قوله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إنَّ مَعَ العسر يسرا}.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قوله تَعَالَى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا} قال: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ مَسْرُورٌ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقول: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ {إنَّ مَعَ العسر يسرا}».
قال أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي أَنَّ العسر الْمَذْكُورَ بَدِيًّا هُوَ الْمُثَنَّى بِهِ آخِرًا؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَرْجِعُ إلَى الْعَهْدِ الْمَذْكُورِ، وَالْيُسْرُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُورٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَوَّلَ لَعَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.
وقوله تَعَالَى: {فَإِذَا فرغت فانصب} قال ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا فرغت مِنْ فَرْضِك فانصب إلَى مَا رَغَّبَك تَعَالَى فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ.
وَقال الْحَسَنُ: {فَإِذَا فرغت} مِنْ جِهَادِ أَعْدَائِك {فانصب} إلَى رَبِّك فِي الْعِبَادَةِ. وَقال قَتَادَةُ: {فَإِذَا فرغت} مِنْ صَلَاتِك {فانصب} إلَى رَبِّك فِي الدُّعَاءِ..
وَقال مُجَاهِدٌ: {فَإِذَا فرغت} مِنْ أَمْرِ دُنْيَاك {فانصب} إلَى عِبَادَةِ رَبِّك..
وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَالْوَجْهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا كُلِّهَا فَيَكُونُ جَمِيعُهَا مُرَادًا، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ.
آخِرُ السُّورَةِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سُورَةُ الِانْشِرَاحِ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الأولى قوله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَك صدرك}: شَرْحُهُ حَقِيقَةٌ حِسِّيَّةٌ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَ عِنْدَ ظِئْرِهِ، وَحِينَ أُسْرِيَ بِهِ، وَشَرَحَهُ مَعْنًى حِينَ جَمَعَ لَهُ التَّوْحِيدَ فِي صَدْرِهِ وَالقرآن، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا، وَشَرَحَهُ حِينَ خَلَقَ لَهُ الْقَبُولَ لِكُلِّ مَا أَلْقَى إلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الشَّرْحِ وَزَوَالُ التَّرَحِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَك ذكرك}: يَعْنِي قَرَنَّاهُ بِذِكْرِنَا فِي التَّوْحِيدِ وَالْأَذَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قوله تَعَالَى: {فَإِذَا فرغت فانصب} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
اتَّفَقَ الْمُوَحِّدُونَ وَالْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: إذَا فرغت مِنْ الصَّلَاةِ فانصب لِلْأُخْرَى بِلَا فُتُورٍ وَلَا كَسَلٍ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ إذَا فرغت مِنْ الْفَرَائِضِ فَتَأَهَّبْ لِقِيَامِ الليل.
الثَّانِي: إذَا فرغت مِنْ الصَّلَاةِ فانصب لِلدُّعَاءِ.
الثَّالِثُ: إذَا فرغت مِنْ الْجِهَادِ فَاعْبُدْ رَبَّك.
الرَّابِعُ إذَا فرغت مِنْ أَمْرِ دُنْيَاك فانصب لِأَمْرِ آخِرَتِك.
وَمِنْ الْمُبْتَدِعَةِ مَنْ قرأ هَذِهِ الْآيَةَ (فانصب) بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْهَمْزِ فِي أَوَّلِهِ، وَقالوا: مَعْنَاهُ أَنْصِبْ الإمام الَّذِي يُسْتَخْلَفُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ فِي الْقراءة، بَاطِلٌ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَخْلِفْ أحدا.
وَقرأهَا بَعْضُ الْجُهَّالِ (فانصب) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ مَعْنَاهُ إذَا فرغت مِنْ الْغَزْوِ فَجُدَّ إلَى بَلَدِك.
وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا قراءة لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ؛ لِقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أحدكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أحدكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ».
وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا وَأَسْوَأَهُمْ مَآبًا وَمَبَاءً مَنْ أَخَذَ مَعْنًى صَحِيحًا، فَرَكَّبَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قراءة أَوْ حَدِيثًا، فَيَكُونُ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ، كَاذِبًا عَلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.
أَمَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ وَهِيَ:
المسألة الثَّانِيَةُ:
عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقال: مَا بِهَذَا أَمَرَ الشَّارِعُ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْحَبَشَ كَانُوا يَلْعَبُونَ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ.
وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ مِنْ جِوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنَّيَانِ، فَقال أَبُو بَكْرٍ: أَمِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فَقال: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ».
وَلَيْسَ يَلْزَمُ الدَّءُوبَ عَلَى الْعَمَلِ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لِلْخَلْقِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

سورة الشرح:
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك (1)}
قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ}: الاستفهامُ إذا دخل على النفي قَرَّره، فصار المعنى: قد شَرَحْنا، ولذلك عَطَفَ عليه الماضي. ومثلُه {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ} [الشعراء: 18]. والعامَّةُ على جزمِ الحاء بـ: (لم) وقرأ أبو جعفر بفتحها.
وقال الزمخشري: وقالوا: لعلَّة بَيَّنَ الحاءَ وأشبعها في مَخْرَجِها، فظنَّ السامعُ أنه فتحها. وقال ابن عطية: إنَّ الأصلَ: ألم نَشْرَحَنْ بالنونِ الخفيفةِ، ثم أَبْدَلَها ألفاً، ثم حَذَفَها تخفيفاً، كما أنشد أبو زيد:
مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفِرّْ ** أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْ

بفتح راء (لم يُقْدَرَ) وكقوله:
اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها ** ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ

بفتح باء (اضربَ) انتهى. وهذا مبنيٌ على جوازِ توكيدِ المجزومِ بـ: لم، وهو قليلٌ جدًّا، كقوله:
يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما ** شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّما

فتتركبُ هذه القراءة مِنْ ثلاثةِ أصولٍ كلُّها ضعيفةٌ؛ لأنَّ توكيدَ المجزومِ بـ: (لم) ضعيفٌ، وإبدالُها أَلِفاً إنما هو الوقفِ، وإجراءُ الوصلِ مجرى الوقفِ خِلافُ الأصلِ، وحَذْفُ الألفِ ضعيفٌ، لأنه خلافُ الأصلِ. وخَرَّجه الشيخُ على لغةٍ حكاها اللحيانيُّ في (نوادره) عن بعضِ العربِ وهو الجزمُ بـ: (لن)، والنصبُ بـ: (لم) عكسَ المعروفِ عند الناس، وجعله أَحْسَنَ ممَّا تقدَّم. وأنشد قول عائشةَ بنتِ الأعجم تمدح المختار وهو القائمُ بطَلَبِ ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما:
قد كادَ سَمْكُ الهدى يُنْهَدُّ قائمُهُ ** حتى أتيحَ له المختارُ فانْعَمدا

في كلِّ ما هَمَّ أمضى رأيَه قُدُماً ** ولم يُشاوِرَ في إقدامِه أحدا

بنَصْبِ راء (يُشاور) وجَعَله محتمِلاً للتخريجَيْنِ.
{الَّذِي أنقض ظهرك (3)}
قوله: {أنقض ظهرك}: أي: حَمَله على النقيضِ وهو صوتُ الانتقاضِ والانفكاكِ لثِقَلِه، مَثَلٌ لِما كان يُثْقِلُه صلى الله عليه وسلم.
قال أهل اللغة: أنقض الحِمْلُ ظَهْرَ الناقةِ إذا سَمِعْتَ له صَريراً مِنْ شِدَّة الحِمْلِ. وسمِعْتُ نقيضَ الرَّحْلِ، أي: صريرَه.
قال العباس ابن مرداس:
وأنقض ظهري ما تَطَوَّيْتَ منهمُ ** وكنتُ عليهم مُشْفِقاً مُتَحَنِّناً

وقال جميل:
وحتى تداعَتْ بالنَّقيضِ حِبالُه

{فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا (5)}
قوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا}: العامَّةُ على سكونِ السين في الكلم الأربع، وابن وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمِّها. وفيه خلافٌ. هل هو أصلٌ، أو مثقلٌ من المسكِّن؟ والألفُ واللامُ في {العسر} الأولِ لتعريف الجنس، وفي الثاني للعهدِ؛ ولذلك رُوِيَ عن ابن عباس: «لن يغلب عسر يسرين» ورُوي أيضاً مرفوعاً أنه عليه السلام خرج يضحك يقول: «لن يغلب عسر يسرين» والسببُ فيه: أنَّ العربَ إذا أَتت باسمٍ ثم أعادَتْه مع الألفِ واللامِ ِكان هو الأولَ نحو: (جاء رجلٌ فأكرمْتُ الرجلَ) وكقوله تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} [المزمل: 15- 16] ولو أعادَتْه بغير ألفٍ ولامٍ كان غيرَ الأول. فقوله: {إِنَّ مَعَ العسر يسرا} لَمَّا أعاد العسر الثاني أعادَه بأل، ولَمَّا كان اليُسْرُ الثاني غيرَ الأولِ لم يُعِدْه بـ: أل.
وقال الزمخشري:
فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس؟ وذكرَ ما تقدَّم.
قلت: هذه عَمَلٌ على الظاهرِ وبناءٌ على قوةِ الرجاءِ، وأنَّ موعدَ اللَّهِ لا يُحْمل إلاَّ على أوفى ما يحتملُه اللفظُ وأَبْلَغُه، والقول فيه أنه يحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ تكريراً للأولى، كما كرَّر قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] لتقريرِ معناها في النفوسِ وتمكينِها في القلوب، وكما يُكَرَّر المفرد في قولك: (جاء زيدٌ زيدٌ) وأَنْ تكونَ الأولى عِدَةً بأنَّ العسر مُرْدَفٌ بيُسْرٍ لا مَحالَةَ، والثانيةُ عِدَةً مستأنفةٌ بأنَّ العسر متبوعٌ بيسرٍ، فهما يسران على تقديرِ الاستئناف، وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو: إمَّا أَنْ يكونَ تعريفُه للعهدِ وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو؛ لأنَّ حكمَه حكمُ (زيد) في قولك: (إنَّ مع زيد مالاً، إنَّ مع زيد مالاً) وإمَّا أَنْ يكونَ للجنسِ الذي يَعْلَمُه كلُّ أحد فهو هو أيضاً، وأمَّا اليُسْرُ فمنكَّرٌ مُتَناولٌ لبعض الجنسِ، وإذا كان الكلامُ الثاني مستأنفاً غيرَ مكررٍ فقد تناوَلَ بعضاً غيرَ البعضِ الأولِ بغيرِ إشكال.
وقال أبو البقاء: {العسر} في الموضعين واحد؛ لأنَّ الألفَ واللامَ توجبُ تكريرَ الأولِ، وأمَّا {يسرا} في الموضعَيْنِ فاثنانِ، لأنَّ النكرةَ إذا أُريد تكريرُها جيْءَ بضميرِها أو بالألفِ واللام، ومن هنا قيل: «لن يغلب عسر يسرين» وقال الزمخشري أيضاً: فإنْ قلتَ: إنَّ {م} ع للصحبة، فما معنى اصطحابِ اليُسْرِ والعسر؟
قلت: أراد أنَّ اللَّهَ تعالى يُصيبُهم بيُسرٍ بعد العسر الذي كانوا فيه بزمانٍ قريبٍ، فَقَرُبَ اليُسْرُ المترقَّبُ حتى جَعَله كأنَّه كالمقارِنِ للعُسْرِ، زيادةً في التسلية وتقويةً للقلوب. وقال أيضاً:
فإن قلت: ما معنى هذا التنكير؟
قلت: التفخيمُ كأنه قيل: إنَّ مع العسر يسرا عظيماً وأيَّ يُسْرٍ؟ وهو في مُصحفِ ابن مسعودٍ مرة واحد.
فإن قلت: فإذا ثَبَتَ في قراءته غيرَ مكررٍ فلِمَ قال: «والذي نفسي بيده لو كان العسر في جُحْرٍ لطَلَبه اليُسْرُ حتى يَدْخُلَ عليه، لن يغلب عسر يسرين» قلت: كأنه قَصَدَ باليُسْرين ما في قوله: {يسرا} مِنْ معنى التفخيم، فتأوَّله بـ: (يُسْرِ الدارَيْن) وذلك يسران في الحقيقة.
{فَإِذَا فرغت فانصب (7)}
قوله: {فَإِذَا فرغت}: العامَّةُ على فتحِ الراءِ مِنْ {فرغت} وهي الشهيرةُ، وقرأها أبو السَّمَّال مكسورةً، وهي لُغَيَّةُ قال الزمخشري: ليسَتْ بالفصيحة. وقال الزمخشري:
فإن قلت: فيكف تعلَّق قوله: {فإذا فرغت فانصب} بما قبلَه؟
قلت: لَمَّا عَدَّد نِعَمَه السَالفةَ ووعْدَه الآنفةَ بعثَة على الشكرِ والاجتهادِ في العبادة. عن ابن عباسٍ: {فإذا فرغت} مِنْ صلاتِك {فانصب} في الدعاء.
والعامَّةُ على فتحِ الصادِ وسكونِ الباء أمراً من النَّصَب وقرئ بتشديدِ الباءِ متفوحةً أَمْراً من الانْصباب، وكذا قرئ بكسر الصاد ساكنةَ الباء أمراً من النَّصْب بسكون الصاد، ولا أظن الأولى إلاَّ تصحيفاً ولا الثانيةَ إلاَّ تحريفاً فإنها تُرْوى عن الإمامية. وتفسيرُها: {فإذا فرغت} مِنْ النبوَّةِ {فانصب} الخليفة.
قال ابن عطية: وهي قراءة ضعيفةٌ شاذةٌ لم تَثْبُتْ عن عالمٍ.
قال الزمخشري: ومن البدعِ ما رُوي عن بعضِ الرافضةِ أنه قرأ: {فانصب} أي: انْصِبْ عليَّاً للإمامة، ولو صَحَّ هذا للرافِضِيِّ لصَحَّ للناصِبيِّ أن يَقرأ هكذا، ويجعَلَه أمراً بالنَّصبْ الذي هو بُغْضُ علي رضي الله عنه وعداوتُه.
{وَإِلَى رَبِّكَ فارغب (8)}
قوله: {فارغب}: مِنْ الرَّغْبة وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة {فَرَغَّب} بتشديد العين. أمراً مِنْ رَغَّبَة بالتشديدِ، اي: فَرَغِّب الناسَ إلى طلبِ ماعنده. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في يسر:
اليُسْرُ ضدّ العسر، قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا إِنَّ مَعَ العسر يسرا}.
وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، أَى تَسَهَّل.
ويَسَرَ الأَمْرُ ويَسُرَ وتَيَسَّرَ واسْتَيْسَرَ.
ويَسَّرَه اللهُ تعالَى وياسَرَهُ: سَهَّلَهُ.
وفى الدُّعاءِ للحُبْلَى: أَيْسرَتْ وأَذْكَرَتْ، أَى يُسِّرَتْ عليها الوِلادَةُ، وتَيَسّر له الخُروج.
وتَيَسَّر له فَتْحٌ جليل.
وخُذْ بِمَيْسورِهِ ودَع معْسُورَهُ.
ويُسِرَ الأَمرُ كعُنِىَ، فهو مَيْسُورٌ، قال الله تعالى: {فَقُل لَّهُمْ قولاً مَّيْسُوراً}.
وفَرَسٌ يَسَرٌ بفتحتين: لَيِّنُ الانْقياد، قال:
إِنَّى على تَحَفُّظِى ونَزْرى ** أَعْسَرُ إِنْ ما رَسْتَنِى بعُسْرِ

ويَسرٌ لمنْ أَراد يُسْرى

وإِنَّ قوائِم هذه الدّابَّة يسراتٌ، أَى خِفاف، قال كَعْب بنُ زُهَيْر:
تَخْدِى على يسرات وهى لاحِقَةٌ ** ذَوابلٌ وَقْعُهُنَّ الأَرْضَ تَحْلِيلُ

ووِلادَةٌ يَسْرٌ.
ويَسَّرَه اللهُ فتَيَسَّر.
وفى الحديث: «إِنّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ» أَراد أَنَّه سَهْلٌ سَمْحٌ قليل التشديد.
وفى حديث آخر: «يَسِّروُا ولا تُعَسِّرُوا».
وفيه أَيضا: «مَنْ أَطاعَ الإمام وياسَرَ الشَّريكَ»، وفيه: (كَيْفَ تَركْتَ البِلاد؟ فقال: تَيَسَّرَتْ) أَى أَخْصَبَت.
وفيه: «لن يغلب عسر يسرين» أَى أَنَّ العسر بين يُسْرَيْن، إِمّا فَرَجٌ عاجلٌ في الدّنيا، وإِمّا ثوابٌ آجلٌ في الآخرة.
وقيل: أَراد أَنَّ العسر الثانى هو الأَوَّل لأَنه ذكره مُعرَّفاً بالَّلام، وذكر اليُسْرَين نكرتين وكانا اثنين، تقول: كسبت دِرْهَماً ثمّ يقول: أَنْفَقْت الدّرهم، فالثانى هو الأَوّل المُكْتَسب.
وفى الحديث أَيضاً: «تَياسَرُوا في الصَّداق» أَى تساهَلُوا فيه ولا تُغالُوا.
وفيه: «اعْمَلُوا وسَدِّدُوا وقارِبُوا، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لمِا خُلِقَ له».
وفيه: «وقد يُسِّر له طَهورٌ»، أَى هُيِّئ ووُضع.
وفيه: «وقَدْ تَيَسَّر للقِتال»: تَهَيّأَ له واسْتَعَدَّ.
وفى حديث علىّ رضى الله عنه: «اطْعَنُوا اليَسْر» بالفتح وسكون السّين وهو الطِّعن حِذاءَ الوَجْه.
وقال أَيضاً: «الشِّطْرنج مَيْسِرُ العَجَم» شَبَّه اللَّعِبَ به بالمَيْسَر، وهو القِمارُ بالقِداح.
وكلُّ شيء فيه قِمارٌ فهو من المَيْسر حتى لعب الصِبيان بالجَوْز.
وَكان عُمَرُ رضى الله عنه أَعْسَرَ أَيْسَرَ هكذا يُرْوى، والصّواب «أَعْسَرَ يَسرَ»، وهو الذي يعمل بِيَدَيْه جميعاً ويُسمَّى الأَضبَط أَيضاً.
واليَسِيرُ يقال في الشيءِ القليل.
وفى الشيءِ السّهل، فعلىَ الأَوّل قوله تعالى: {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً}، وعلى الثانى قوله تعالى: {وَكَانَ ذلك عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}.
والمَيْسَرة واليَسارُ عِبارةٌ عن الغِنَى، قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}.
واليَسار: أُخْتُ اليَمِين، واليِسارُ بالكسر لغة فيها، وليس في الكلام له نظير سِوى هِلالُ بن يِسار، على أَنَّ الفتح لفة فيها.
ويَسَّرَت الغَنَم: كَثُرَ لَبَنُها. اهـ.